فصل: تَنْبِيهٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.تَنْبِيهٌ:

قَدْ يُلْحَظُ الْأَمْرَانِ فَيَجُوزُ الِاعْتِبَارَانِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله} أَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي حَذْفِ الْمَفْعُولِ مِنْهُ الْوَجْهَيْنِ.
وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَجِّ: {وجاهدوا في الله}.

.حَذْفُ الْحَالِ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ من كل باب سلام عليكم} أَيْ قَائِلِينَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَحْذِفُ الْحَالَ إِذَا كَانَتْ بِالْفِعْلِ لِدَلَالَةِ مَصْدَرِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ قَتَلْتُهُ صَبْرًا وَأَتَيْتُهُ رَكْضًا، قَالَ تَعَالَى: {تزرعون سبع سنين دأبا} فَدَأَبًا يُقَدَّرُ بِالْفِعْلِ تَقْدِيرُهُ (تَدْأَبُونَ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ سِيبَوَيْهِ وَأَبِي الْعَبَّاسِ فِي الْحَالِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي الْمَصْدَرُ مَنْصُوبٌ بِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيَاسِ فَسِيبَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى السَّمَاعِ وَلَا يَقِيسُ وَالْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ يَقِيسَانِ.

.حذف المنادى:

قوله تعالى: {ألا ياسجدوا} عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ بِتَخْفِيفِ (أَلَا) عَلَى أَنَّهَا تَنْبِيهٌ وَ: (يَا) نِدَاءٌ وَالتَّقْدِيرُ أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا لِلَّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (يَا) تَنْبِيهًا وَلَا مُنَادَى هُنَاكَ وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ تَأْكِيدًا لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْطَافِ الْمَأْمُورِ وَاسْتِدْعَاءِ إِقْبَالِهِ عَلَى الْآمِرِ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ فَعَلَى أَنَّ أَنْ النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا لَا النَّافِيَةُ وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا منصوب وحذفت النون علامة النصب فالفعل هنامعرب وفي تلك القراءة مبني فاعرفه.

.فائدة:

(في حَذْفُ الْيَاءِ مِنَ الْمُنَادَى الْمُضَافِ إِلَى يَاءِ المتكلم).
كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ حَذْفُ الْيَاءِ مِنَ الْمُنَادَى الْمُضَافِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوَ يَا رَبِّ يَا قَوْمِ وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ النِّدَاءَ بَابُ حَذْفٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحْذَفُ مِنْهُ التَّنْوِينُ وَبَعْضُ الِاسْمِ لِلتَّرْخِيمِ وَجَاءَ فِيهِ إِثْبَاتُهَا سَاكِنَةً كقراءة من قرأ {يا عبادي فاتقون}، ومحركة بالفتح كقراءة من قرأ {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}، وَمُنْقَلِبَةً عَنِ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تقول نفس يا حسرتى}.

.حَذْفُ الشَّرْطِ:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصلاة} أَيْ إِنْ قُلْتَ لَهُمْ أَقِيمُوا يُقِيمُوا.
وجعل منه الزمخشري: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ}.
وَجَعَلَ أَبُو حَيَّانَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قبل إن كنتم مؤمنين}، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ فلم تقتلون؟ وجواب (إِنْ كُنْتُمْ) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فَلِمَ فَعَلْتُمْ وَكُرِّرَ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ مَرَّتَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ الشَّرْطُ مِنَ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ جَوَابُهُ وَحُذِفَ الْجَوَابُ مِنَ الثَّانِي وَبَقِيَ شَرْطُهُ انْتَهَى.
وَهُوَ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ خَالَفَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَنْكَرَ قَوْلَهُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ في: {فتاب عليكم} وفي {فانفجرت}، وَقَالَ: إِنَّ الشَّرْطَ لَا يُحْذَفُ فِي غَيْرِ الْأَجْوِبَةِ وَالْآنَ قَدْ رَجَعَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون}، تَقْدِيرُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُنْكِرِينَ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ أَيْ فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ إِنْكَارِكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {فَلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم} بِمَعْنَى إِنِ افْتَخَرْتُمْ بِقَتْلِهِمْ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ فَعَدَلَ عَنِ الِافْتِخَارِ بِقَتْلِهِمْ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْفَاعِلِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {فالله هو الولي}، تَقْدِيرُهُ: إِنْ أَرَادُوا أَوْلِيَاءً فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ بِالْحَقِّ لَا وَلِيَّ سِوَاهُ.

.حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ:

قَوْلُهُ: {إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ على مثله فآمن واستكبرتم}، أَيْ أَفْلَسْتُمْ ظَالِمِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقَبَهُ: {إِنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين} وَقَدَّرَهُ الْبَغْوِيُّ: مَنِ الْمُحِقُّ مِنَّا وَمَنِ الْمُبْطِلُ وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَمِنْ حَذْفِ جَوَابِ الْفِعْلِ: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم}، تَقْدِيرُهُ: (فَذَهَبَا إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُوهُمَا فَدَمَّرْنَاهُمْ)، وَالْفَاءُ الْعَاطِفَةُ عَلَى الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَهُمْ بِالْفَاءِ الْفَصِيحَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ: وَانْظُرْ إِلَى الْفَاءِ الْفَصِيحَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فتاب عليكم} كَيْفَ أَفَادَتْ فَفَعَلْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَقَوْلُهُ: {اضْرِبُوهُ ببعضها}، تَقْدِيرُهُ: فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى}.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي فضلنا على كثير}، تَقْدِيرُهُ: فَعَمِلَا بِهِ وَعَلَّمَاهُ وَعَرِفَا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ وَالْفَضِيلَةِ {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ}.
وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا صَنَعَ بِهِمَا وَعَمَّا قَالَاهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ نَحْنُ فَعَلْنَا إِيتَاءَ الْعِلْمِ وَهُمَا فَعَلَا الْحَمْدَ تَعْرِيضًا لِاسْتِثَارَةِ الْحَمْدِ عَلَى إِيتَاءِ الْعِلْمِ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ مِثْلُهُ (قُمْ يَدْعُوكَ) بَدَلُ (قُمْ فَإِنَّهُ يَدْعُوكَ).
حَذْفُ الْأَجْوِبَةِ.
وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فِي جَوَابِ لَوْ، وَلَوْلَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا على النار}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ ربهم}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الملائكة يضربون وجوههم}.
وقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الموت}، تَقْدِيرُهُ: فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (لَرَأَيْتَ عَجَبًا) أَوْ (أمرا عظيما) أو (لرأيت سُوءَ مُنْقَلَبِهِمْ) أَوْ (لَرَأَيْتَ سُوءَ حَالِهِمْ).
وَالسِّرُّ فِي حَذْفِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهَا لَمَّا رُبِطَتْ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى حَتَّى صَارَا جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْجَبَ ذَلِكَ لَهَا فَضْلًا وَطُولًا فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ خُصُوصًا مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالُوا: وَحَذْفُ الْجَوَابِ يَقَعُ فِي مَوَاقِعِ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَيَجُوزُ حَذْفُهُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا يُحْذَفُ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ السَّامِعَ مَعَ أَقْصَى تَخَيُّلِهِ يَذْهَبُ مِنْهُ الذِّهْنُ كُلَّ مَذْهَبٍ وَلَوْ صُرِّحَ بِالْجَوَابِ لَوَقَفَ الذِّهْنُ عِنْدَ الْمُصَرَّحِ بِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ الْوَقْعُ وَمِنْ ثَمَّ لَا يَحْسُنُ تَقْدِيرُ الْجَوَابِ مَخْصُوصًا إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالسِّيَاقِ كَمَا قَدَّرَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال} الْآيَةَ، فَقَالَ: تَقْدِيرُهُ: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ.
وَحَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ فِي الْيَاقُوتَةِ عَنْ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْآيَةَ مَا سِيقَتْ لِتَفْضِيلِ الْقُرْآنِ بَلْ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ ذم الكفار بدليل قوله قبلها: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}، وبعدها: {أفلم ييأس الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى الناس جميعا} فَلَوْ قُدِّرَ الْخَبَرُ (لَمَا آمَنُوا بِهِ) لَكَانَ أَشَدَّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ (رُءُوسِ الْمَسَائِلِ) كَوْنَ الْجَوَابِ (كَانَ هَذَا الْقُرْآنَ) عَنِ الْأَكْثَرِينَ. وَفِيهِ مَا ذَكَرْتُ.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: لَوْ قَضَيْتُ أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ الْقُرْآنُ عَلَى الْجِبَالِ إِلَّا سَارَتْ وَرَأَوْا ذَلِكَ لَمَا آمَنُوا.
وَقِيلَ: جَوَابُ (لَوْ) مُقَدَّمٌ مَعْنَاهُ: يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله}، مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: لَنَفِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ (مَا نَفِدَتْ) هو الجواب مبالغة في نفي النفاد لأنه إذا كان نفي النقاد لَازِمًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مَدَادًا لَكَانَ لُزُومُهَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أن يضلوك}.
فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُودِ الْهَمِّ مِنْهُمْ بِإِضْلَالِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُمْ هَمُّوا وَرَدُّوا الْقَوْلَ.
وَقِيلَ: قَوْلُهُ: {لَهَمَّتْ} لَيْسَ جَوَابَ (لَوْ) بَلْ هُوَ كَلَامٌ تَقَدَّمَ عَلَى (لَوْ) وَجَوَابُهَا مَقُولٌ عَلَى طَرِيقِ الْقَسَمِ وَجَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ لَأَضَلُّوكَ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى برهان ربه}، أَيْ هَمَّتْ بِمُخَالَطَتِهِ وَجَوَابُ (لَوْلَا) مَحْذُوفٌ، أَيْ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَخَالَطَهَا.
وَقِيلَ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا، والوقف على هذا {ولقد همت به} وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَهِمَّ بِهَا.
ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ وَالْأَوَّلُ لِلزَّمَخْشَرِيِّ.
وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ جَوَابِ (لَوْ) عَلَيْهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ وَلِلشَّرْطِ صَدْرُ الْكَلَامِ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لمهتدون} جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {إِنَّا لَمُهْتَدُونَ} أَيْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ اهْتَدَيْنَا.
وَقَدْ تَوَسَّطَ الشَّرْطُ هُنَا بَيْنَ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ دَلِيلُ الْجَوَابِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الشَّرْطِ وَالَّذِي حَسَّنَ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ عَلَيْهِ الِاهْتِمَامُ بِتَعْلِيقِ الْهِدَايَةِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يكفون عن وجوههم النار} تَقْدِيرُهُ: لَمَا اسْتَعْجَلُوا فَقَالُوا مَتَى هَذَا الْوَعْدُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَقْدِيرُهُ (لَعَلِمُوا صِدْقَ الْوَعْدِ) لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ وَجَعَلَ اللَّهُ السَّاعَةَ موعدهم فقال تعالى: {بل تأتيهم بغتة}.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: (لَمَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَنَدِمُوا أو تابوا).
وقوله فِي سُورَةِ التَّكَاثُرِ: {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} تَقْدِيرُهُ لَمَا: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: لَشَغَلَكُمْ ذَلِكَ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ.
وَقِيلَ: لَرَجَعْتُمْ عَنْ كُفْرِكُمْ أَوْ لَتَحَقَّقْتُمْ مِصْدَاقَ مَا تُحَذَّرُونَهُ.
وَقَوْلُهُ: {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا} أي لا يتبعونهم.
وقوله: {قال إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تعلمون}، تَقْدِيرُهُ: (لَآمَنْتُمْ) أَوْ (لَمَا كَفَرْتُمْ) أَوْ (لَزَهِدْتُمْ فِي الدُّنْيَا) أَوْ (لَتَأَهَّبْتُمْ لِلِقَائِنَا).
وَنَحْوُهُ: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون}، أَيْ يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا لَمَا رَأَوُا الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ لَمَا اتَّبَعُوهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى ركن شديد}، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: مَعْنَاهُ لَوْ أَنَّ لِي قُوَّةً لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} أَيْ رَأَيْتَ مَا يُعْتَبَرُ بِهِ عِبْرَةً عَظِيمَةً.
وقوله عَقِبَ آيَةَ اللِّعَانِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تواب حكيم}، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْفَرَّاءُ: جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْمَعْنَى وَكُلُّ مَا عُلِمَ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَكْتَفِي بِتَرْكِ جَوَابِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَشْتُمُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ الْمَشْتُومُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَبُوكَ.. فَيُعْلَمُ أَنَّكَ تُرِيدُ: لَشَتَمْتُكَ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَهَلَكْتُمْ أَوْ لَمْ يَبْقَ لَكُمْ بَاقِيَّةٌ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ أَمْرُكُمْ وَنَحْوُهُ مِنَ الْوَعِيدِ الْمُوجِعِ فَحُذِفَ لِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَنَالَ الْكَاذِبَ مِنْكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَهَذَا أَجْوَدُ مِمَّا قَدَّرَهُ الْمُبَرِّدُ.
وَكَذَلِكَ (لَوْلَا) الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رؤوف رحيم}، جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى لَافْتَضَحَ فَاعِلُ ذَلِكَ وَفِي الثَّانِيَةِ: لَعَجَّلَ عَذَابَ فَاعِلِ ذَلِكَ وَسَوَّغَ الْحَذْفَ طُولُ الْكَلَامِ بِالْمَعْطُوفِ وَالطُّولُ دَاعٍ لِلْحَذْفِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إلينا رسولا فنتبع آياتك} جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْلَا احْتِجَاجُهُمْ بِتَرْكِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِمْ لَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: تَقْدِيرُهُ: لَأَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِرْسَالِ الرَّسُولِ وَمُوَاتَرَةِ الِاحْتِجَاجِ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها} أي لأبدت.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رحمة ربي}، تَقْدِيرُهُ: لَوْ تُمَلَّكُونَ، (تَمْلِكُونَ) فَأَضْمَرَ (تُمَلَّكُ) الْأُولَى عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ وَأُبْدِلَ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الَّذِي هُوَ (الْوَاوُ) ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ وَهُوَ (أَنْتُمْ) لِسُقُوطِ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ فَـ: (أنتم) فاعل الفعل المضمر (وتملكون) تَفْسِيرُهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْرَابُ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ الْبَيَانِ فَهُوَ أَنَّ (أَنْتُمْ) تَمْلِكُونَ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَأَنَّ النَّاسَ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالشُّحِّ الْمُتَتَابِعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ لَمَّا سَقَطَ لِأَجْلِ الْمُفَسَّرِ بَرَزَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ.
وَمِنْ حَذْفِ الْجَوَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، أَيْ أَعْرَضُوا؟ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: {إِلَّا كَانُوا عنها معرضين} وَقَوْلُهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْحِجْرِ: {فَقَالُوا سلاما قال إنا منكم وجلون} وفي غيرها من السور: {قالوا سلاما} {قال سلام} قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الْأُولَى فَاكْتَفَى بِمَا فِي هَذِهِ وَلَوْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ الْوَقَائِعِ لَنَزَلَتْ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ.
وكقوله تعالى: {إذا السماء انشقت} قال الزمخشري حَذْفِ الْجَوَابِ وَتَقْدِيرُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي سُورَتَيِ التكوير والانفطار وهو قوله: {علمت نفس}.
وقال في: {والسماء ذات الْبُرُوجِ}: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ يَدُلُّ عليه قوله: {قتل أصحاب الأخدود}.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أَيْ (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَقَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) والواو واو وحال وَفِي هَذَا مَا حُكِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالَوَيْهِ فِي مَجْلِسِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ فَسُئِلَ ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جاءوها وفتحت أبوابها}، فِي النَّارِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَفِي الْجَنَّةِ بِالْوَاوِ! فَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: هَذِهِ الْوَاوُ تُسَمَّى وَاوَ الثَّمَانِيَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْطِفُ الثَّمَانِيَةَ إِلَّا بِالْوَاوِ قَالَ: فَنَظَرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ وَقَالَ أَحَقٌّ هَذَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا أَقُولُ كَمَا قَالَ إِنَّمَا تُرِكَتِ الْوَاوُ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا مُغْلَقَةٌ وَكَانَ مَجِيئُهُمْ شَرْطًا فِي فَتْحِهَا فَقَوْلُهُ: {فُتِحَتْ} فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَفُتِحَتْ} فِي الْجَنَّةِ فَهَذِهِ وَاوُ الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ جَاءُوهَا وَهِيَ مُفَتَّحَةُ الْأَبْوَابِ أَوْ هَذِهِ حَالُهَا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ الصَّوَابُ وَيَشْهَدُ لَهُ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَادَةَ مُطَّرِدَةٌ شَاهِدَةٌ فِي إِهَانَةِ الْمُعَذَّبِينَ بِالسُّجُونِ مِنْ إِغْلَاقِهَا حَتَّى يَرِدُوا عَلَيْهَا وَإِكْرَامُ الْمُنَعَّمِينَ بِإِعْدَادِ فَتْحِ الْأَبْوَابِ لَهُمْ مُبَادَرَةً وَاهْتِمَامًا.
وَالثَّانِي: النَّظِيرُ فِي قَوْلِهِ: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لهم الأبواب}.
وَلِلنَّحْوِيِّينَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ وَالْجَوَابُ قَوْلُهُ: (فُتِحَتْ) وَهَؤُلَاءِ قِسْمَانِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْوَاوَ مَعَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ وَاوَ الثَّمَانِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَفُتِحَتْ) كَأَنَّهُ قَالَ: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ) قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: وَفِي هَذَا حَذْفُ الْمَعْطُوفِ وَإِبْقَاءُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ آخِرُ الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ استقروا أو خلدوا أواستووا مِمَّا يَقْتَضِهِ الْمَقَامُ وَلَيْسَ فِيهِ حَذْفُ مَعْطُوفٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إِذَا جَاءُوهَا أَذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا الْمَجِيءُ لَيْسَ سَبَبًا مُبَاشِرًا لِلْفَتْحِ بَلِ الْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ هُوَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}، أَيْ رَحِمَهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَحْسَنُ مِنَ الْقَوْلِ بِزِيَادَةِ (ثُمَّ).
وَحَذْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِبْقَاءُ الْمَعْطُوفِ سَائِغٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم تدميرا}، التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَذَهَبَا فَبَلَّغَا فَكُذِّبَا فَدَمَّرْنَاهُمْ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ.
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عليكم}، أَيْ فَامْتَثَلْتُمْ أَوْ فَعَلْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ.
وقوله: {فلما أسلما وتله للجبين} أَيْ رُحِمَا وَسَعِدَا وَتَلَّهُ وَابْنُ عَطِيَّةَ يَجْعَلُ التَّقْدِيرَ فَلَمَّا أَسْلَمَا أُسْلِمَا وَهُوَ مُشْكِلٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كفروا يا ويلنا}، الْمَعْنَى: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَدِمَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ لِأَنَّهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَشْرَاطِ.
وَقَدْ يَجِيءُ فِي الْكَلَامِ شَرْطَانِ وَيُحْذَفُ جَوَابُ أَحَدِهِمَا اكْتِفَاءً بِالْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} فِي الِاعْتِرَاضِ بِهِ مَجْرَى الظَّرْفِ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُمْ بِنَفْسِهِ جَرَى مَجْرَى الْجُزْءِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ جُمْلَةً لَمَا جَازَ الْفَصْلُ بِهِ بَيْنَ (أَمَّا) وَجَوَابِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ وَذَهَبَ الْأَخْفَشُ إِلَى أَنَّ الْفَاءَ جَوَابٌ لَهُمَا.
وَنَظِيرُهُ: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أن تطأوهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الذين كفروا منهم} فقوله: (لعذبنا) جواب للولا ولو جَمِيعًا.
وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الجواب (لأما) وَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ جَوَابِ (إِنَّ) لِأَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ الشَّرْطَيْنِ الْمُتَوَالِيَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أن يغويكم} وَنَظَائِرِهِ.
فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ الشَّرْطَيْنِ (أَمَّا) كَانَتْ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَوَابَهَا إِذَا انْفَرَدَتْ لَا يُحْذَفُ أَصْلًا وَجَوَابُ غَيْرِهَا إِذَا انْفَرَدَ يُحْذَفُ كَثِيرًا لِدَلِيلٍ وَحَذْفُ مَا عُهِدَ حَذْفُهُ أَوْلَى مِنْ حَذْفِ مَا لَمْ يُعْهَدْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَمَّا قَدِ الْتُزِمَ مَعَهَا حَذْفُ فِعْلِ الشَّرْطِ وَقَامَتْ هِيَ مَقَامَهُ فَلَوْ حُذِفَ جوابها لكان ذلك إجحافا وإن ليس كَذَلِكَ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَذْفَ فِي الآية الكريمة وإما الشَّرْطُ الثَّانِي وَجَوَابُهُ جَوَابُ الْأَوَّلِ وَالْمَحْذُوفُ إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ الْفَاءَيْنِ.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قل اللهم مالك الملك} الْآيَةَ. إِنَّهُ حُذِفَ مِنْهُ أَعِزَّنَا وَلَا تُذِلَّنَا.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مصيبة بما قدمت أيديهم}، تَقْدِيرُهُ: (فَكَيْفَ تَجِدُونَهُمْ مَسْرُورِينَ أَوْ مَحْزُونِينَ) فَـ: (كَيْفَ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِهَذَا الْفِعْلِ الْمُضْمَرِ وَهَذَا الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ قَدْ سَدَّ مَسَدَّ جَوَابِ إِذَا.